25 - 05 - 2025

مؤشرات | الدبلوماسية القذرة وصور ترامب المضللة

مؤشرات | الدبلوماسية القذرة وصور ترامب المضللة

ما جرى من جانب سمسار العقارات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، مع نظيره الجنوب الأفريقي "سيريل رامافوزا"، يوم الأربعاء 21 مايو 2025 يدخل في الجليطة وقلة الأدب، او ما يمكن تسميته بـ"الدبلوماسية القذرة".

الأصول والبروتوكولات المتعارف عليها تؤكد أن لقاءات رؤساء الدول تخضع لبروتوكولات دبلوماسية صارمة تضمن احترام الأصول الدبلوماسية وتُحقق الانسجام في العلاقات الدولية، من خلال إعداد برنامج زيارة، وتنسيق الاستقبالات والتوديع، وتنظيم المراسم المختلفة، بالإضافة إلى عدد من الممارسات التي تضمن احترام الرموز الوطنية، والاحترام المتبادل.

وفي التاريخ الدبلوماسي لم يحدث ما جرى من سمسار العقارات بدرجة رئيس "دونالد ترامب" مع رئيس جنوب إفريقيا "سيريل رامافوزا"، ففي الكمين الذي أعده الرئيس السمسار، بمساعدة فريق عمله، وشارك فيه معاونوه، وأمريكيون من أصول جنوب إفريقية، حاول توريط واحراج الرئيس "رامافوزا"، بعرض صور وشريط فيديو توثّق دفن مزارعين بيض قُتلوا في جنوب أفريقيا.

وفي المشهد الذي شهدته كل الدنيا ومازال حديث العالم، أخرج ترامب صورة مطبوعة متّهما حكومة رامافوزا بالتقاعس عن حماية المزارعين البيض، مكرراً رواية قديمة حول "إبادة جماعية بيضاء" في جنوب أفريقيا، بالرغم من قيام خبراء بنفي تلك المزاعم عدة مرات بمعلومات وبيانات رسمية، موثقة.

ومن الواضح أن هناك ربط بين مزاعم "ترامب"، ومزاعم أخرى طالما رددها داعمو إدارة ترامب من خلال المبالغة في طرح الادعاءات بشأن ممارسة العنف ضد الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا وهو ما قاله مناصرو ترامب ذوي الأصول الإفريقية، وهو ما قاله "إيلون ماسك"، والمذيع السابق في قناة فوكس نيوز "تاكر كارلسون"، وما قدماه من تقارير بشأن مزاهم عن وجود إبادة جماعية مزعومة على  أيدي مواطنين سود ضد جنوب إفريقيين بيض، وما ثبت أن تلك الادعاءات غير صحيحة ببيانات موثقة.

ومحاولة الرئيس الأمريكي وسمسار العقارات، من المهم ربطها بموقف جنوب إفريقيا الرافض للعدوان الصهيوني على مواطني غزة، والإدانات الواسعة لدولة جنوب إفريقيا، وقيامها بتحريك دعاوي قضائية أمام المحاكم الدولية، والتي صدرت بها أحكام فعلية.

وقوبلت دبلوماسية ترامب القذرة، برفض من كل الأوساط، وكفي التدليل على ذلك من خلال ما قاله "باتريك جاسبارد" السفير الأميركي السابق لدى جنوب أفريقيا في عهد "باراك أوباما" "إن ترامب حول الاجتماع مع رئيس جنوب إفريقيا "رامافوزا" إلى "مشهد مخز"، مضيفاً في تغريدة على "إكس" "أن التعامل بشروط ترامب لا يسير على ما يرام بالنسبة لأي شخص"

إلا أن الكذب والتدليس سريعاً ما يتكشف، ولم تمر سوى 72 ساعة، وتتكشف الحقيقة، والتضليل الذي ارتكبه رئيس أكبر دولة في العالم، وذلك من خلال ما كشفته وكالة "رويترز"، والتي فضحت صورة ترامب المغلوطة التي استخدمها ضد حكومة جنوب أفريقيا، والتي تبين أنها لقتلى بيض في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتم التقاطها في الكونغو، ولا علاقة لها بجنوب إفريقيا من قريب أو بعيد.

بل زادت وكالة رويترز في نشر التفاصيل، بالتأكيد على أن الصور هي لجنازة جماعية في مدينة "جوما" شرقي الكونغو لضحايا سقطوا في اشتباكات بين الجيش ومتمردي حركة "إم 23″، ولا علاقة لها بالمزارعين بجنوب أفريقيا، وترجع لشهر ديسمبر 2022، أي قبل عامين ونصف العام.

وفي الوقت الذي يواصل "ترامب" الصمت على جرائم الكيان الصهيوني، فشل فشلاً ذريعاً أن يوجه الدفة بعيداً عن جرائم الصهاينة، ومحاولة فتح جبهة إعلامية ضد اتهامات مزعومة، لجنوب إفريقيا، وقد قوبلت محاولات الرئيس وسمسار العقارات، بالرفض، ووصفها البعض بأنها محاولة قذرة، واستفزاز غير مبرر، وتلاعب خطير في العلاقات الدولية.

ومن اللافت للنظر أن رئيس جنوب إفريقيا، "سيريل رامافوزا"، كان أكثر انضباطاً في ردود أفعاله، على استفزازات ترامب، خصوصا عندما رد على سمسار العقارات بالقول "أنا آسف ليس لدي طائرة أقدمها لك"، وهو الذي يمثل إشارة إلى الطائرة الفاخرة التي قدمتها قطر لترامب.

وليس هناك أدنى شك في أن ما جرى خلال هذا الاجتماع الرئاسي، تم إعداده لوضع رئيس جنوب إفريقيا، في موقف محرج، بالرغم من ردوده الواضحة تجاه كل مزاعم "ترامب".

ويبقى سؤال مهم يحتاج إلى إجابات متخصصة.. في مثل تلك المزاعم التي تصل من رئيس دولة كبرى إلى دولة أخرى، وعلى الهواء مباشرة، ويتضح كذبها، وأنها مضللة.. بخلاف أنها محاولة للإساءة في منهج العلاقات الدولية.. فكيف يتم التعامل معها دوليا، لرد حق الدولة المستهدفة من التضليل؟ .. شخصياً ليس لدي إجابة، وأحتاج وأعتقد يحتاج غيري لتوضيح، مع آلية توبيخ المتهم في ذلك، وهو رئيس أكبر دولة.... تضامنوا مع حقوق جنوب إفريقيا.
---------------------------
بقلم:
 محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | الدبلوماسية القذرة وصور ترامب المضللة